كان عمله في صناعة الفخار شغفه الأول، أو المهرب الوحيد له من كل ما يحيط به من آلامٍ وذكرياتٍ لا يريد عَيشَها ولا حتى في خياله.
لكن في ذلك اليوم حين ذهبتُ إلى دُكَّانه لآخذ إليه طعام الغداء حسب العادة، وجدتُ الباب شبه مُغلَق!
اعتقدتُ أنه في الداخل لذا بدأت أطرقُ الباب بِلُطفٍ مراتٍ مُتتالية، ولم يأتِني الرد.
فقررتُ الدخول ووضع الطعام في الداخل، علَّه لم ينتبه لصوتِ الطرق، وحين دخلت لم أجده، بل وجدتُ الكثير من الأشياء الجميلة والتفاصيل الرائعة!
كانت الجرة التي يبدو أنه يعمل لإنهائها كبيرةً نوعًا ما، وعند العنق العريض تتشابكُ عليها مربعاتٌ صغيرة، أُلصِق على كلٍ منها إشارة نجمةٍ صغيرة بطريقة مُتقَنَة، ذكَّرَتني بشيءٍ ما رأيته في طفولتي لكنني لم أركز على ذلك، كان عليَّ العودة للبيتِ سريعًا فهناك الكثير من العمل اليوم، لكنَّ جمال تلك الجرةِ جعلني أستغرق في تأملها.
بينما كنتُ أتأملُ هذه الجرة الرائعة سمِعتُ أصواتَ صُراخٍ وضجيجٍ وجري في الخارج، أسرعتُ لأعرف ما حدث، وإذا بي أراه مُمَدَّدًا على الأرض بِلا حِراك!
والكرسيُّ المتحرِّك خاصته مقلوبًا على الجانب الآخر منه، وسيارة واقفةٌ بالقرب منه والكثير من سكان الحيِّ يحيطون به، منهم من يُحاول المساعدة بالاتصال على الإسعاف، ومنهم من ينظر إشباعًا لفضوله فقط!
اقتربتُ لأتأكد من أنه بخير، فنظر إليّ بعينين يملأهما الألم والدموع وأشار إليَّ أن أقترب أكثر.
اقتربتُ وأُصِبتُ بصدمةٍ مما سمعت:
"سامحني يا بُني، بعد الحادث الكبير الذي فقدتُ فيه أمك وأصبحتُ عاجِزًا، ما كان بيدي حيلةٌ إلا لأعطيكَ لجارتِنا العقيمِ التي أحسنَت تربيتك والعناية بك، بشرط أن تُرسِلك كل يومٍ إليَّ بالطعام حتى أراك!
خرجتُ لِأحضر قلادة أمِّك حتى أضعها داخل الجرة التي كنتُ سأهديها لك في يوم ميلادك! "
وبعدها أغمض عينيه عن الدنيا كلها وغرق في ظلامه!
Comments